• ١٩ تموز/يوليو ٢٠٢٤ | ١٢ محرم ١٤٤٦ هـ
البلاغ

معاناة الأسرى وذويهم تتفاقم في رمضان

عبدالناصر فروانة

معاناة الأسرى وذويهم تتفاقم في رمضان

شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، وهو شهر مميز عند المسلمين عن باقي شهور السنة الهجرية، ففيه أُنزل القرآن الكريم.  وهو شهر الصوم حيث يمتنع في أيّامه المسلمون عن الشراب والطعام والجماع من الفجر وحتى غروب الشمس، وصوم رمضان هو الركن الرابع من أركان الإسلام. ورمضان.. شهر عظيم ومبارك، تضاعف فيه الحسنات والأجور، فهو شهر التوبة والمغفرة، شهر الصبر والدُّعاء، والجود والإحسان. وهو شهر مبارك يقضي المسلم وقته بين صيام وقيام وتلاوة القرآن، وعمل واجتهاد في الطاعات وتقرُّب من الله عزّوجلّ.

رمضان.. شهر يستقبله الناس بفرح وسرور، وتلتقي فيه الأحبة وتجتمع العائلات على مائدة واحدة مزيّنة بأكلات ومشروبات متعدّدة، وتتبادل فيها التهاني والتبريكات باستمرار، وتكثر فيه زيارات صلة الرِّحم والأصدقاء. فهنيئاً لكم أيّها المسلمون بشهر رمضان. هذا هو حال شهر رمضان بالنسبة لكافة المسلمين في بقاع الأرض، ولكن الحال مختلف بالنسبة للأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. فالأسرى يستقبلون هذا الشهر بفرح وسرور ويتبادلون التهاني والتبريكات فيما بينهم كباقي المسلمين، ويقضون أوقاته بالصوم والصلاة وتلاوة القرآن وقيام الليل والابتهال إلى الله بالدُّعاء بأن يفرّج الله كربهم. وبعض الأسرى يتممون قراءة القرآن وحفظه في هذا الشهر الفضيل، كما وتنظم فيه دورات عدّة في التلاوة والتجويد، ويتخلله برامج ترفيهية ومسابقات وطنية ودينية في إطار برامج رمضانية شاملة.

ولكن معاناة الأسرى تتفاقم في هذا الشهر، حيث يُحرم الأسير من الالتقاء بذويه وأطفاله على مائدة واحدة، كما وتُحرم العائلة من وجود ابنها أو ربّ الأُسرة على مائدة السحور والإفطار، وهذا يفاقم من معاناة الطرفين طوال شهر رمضان. والأمر لا يقتصر على هذا الحرمان القسري، بل هناك الآلاف من الأسرى محرومين من رؤية ذويهم من خلال الزيارات، أو أقرباء لهم من فئة القرابة الأُولى منذ سنوات طويلة بسبب الإجراءات والقيود أو بذريعة المنع الأمني. والمعاناة لا تتوقف عند هذا الحدّ، ولم تقتصر صُوَرها على الحرمان من الالتقاء والالتفاف حول مائدة واحدة، أو التواصل والتزاور واستقبال الأطفال وصلة الأرحام على شبك الزيارة، وإنّما تتعدى ذلك بكثير لتملأ ألبوماً من الصُّوَر ومجلدات من القصص والحكايات. فإدارة السجون وقوات القمع المدججة بالسلاح تتعمد التضييق على الأسرى وذويهم في هذا الشهر الفضيل، وتسعى جاهدة للتنكيد عليهم وإفساد فرحتهم بقدوم هذا الشهر العظيم عبر مجموعة من الإجراءات التعسفية والتنقلات والاقتحامات والاعتداءات والتفتيش المستمر لغرف السجون وخيام المعتقلات وحتى زنازين العزل الانفرادي لم تسلم من ذلك، بحجّة البحث عن هواتف نقالة «مهربة» أو «مواد محظورة».

وفي هذا الشهر تُصعِد إدارة السجون من إجراءاتها العقابية لأتفه الأسباب وتزج الكثير من الأسرى في زنازين انفرادية، كما وتضع العراقيل أمام حرّية ممارسة الشعائر الدينية وقراءة القرآن بصوت جهور والصلاة الجماعية وصلاة التراويح في ساحة القسم إلّا ما ندر وهذا يخالف ما نصت عليه اتفاقية جنيف «تضع الدولة الحاجزة تحت تصرّف المعتقلين أيّاً كانت عقيدتهم، الأماكن المناسبة لإقامة شعائرهم الدينية». والأدهى من ذلك تلاعب إدارة السجون أحياناً بأوقات إيصال وجبات الطعام للأسرى، فتُحضر وجبات السحور بعد رفع آذان الفجر، وتجبر الأسرى على استلام وجبات الإفطار قبل موعد آذان المغرب بفترة زمنية طويلة، ودائماً هي وجبات منقوصة وسيِّئة كما ونوعاً وتفتقر للمقومات الأساسية دون مراعاة لاحتياجات الجسم في هذا الشهر، فيما يحاول الأسرى تعويض ذلك من خلال شراء احتياجاتهم على نفقتهم الخاصّة وبأسعار باهظة من الكنتينة «مقصف السجن».

كما ويبدع الأسرى ويتفننون في صنع الأطعمة والحلويات الخاصّة على طريقتهم الخاصّة ووفقاً للإمكانيات المتوفّرة بما يتناسب وطقوس هذا الشهر العظيم. وأحياناً أخرى تُؤخر ادارة السجن ساعة الخروج للفورة (ساحة القسم) وتتعمد أن تكون في وقت تشتد فيه الحرارة للتنغيص عليهم، مما يدفع الأسرى لرفض الخروج والبقاء في غرفهم. وكثيرة هي المحاولات التي رُفضتها إدارة السجون لإدخال التمور وزيت الزيتون والحلويات من قبل هيئة شؤون الأسرى ومؤسّسات أُخرى، فيما يُسمح أحياناً بإدخال كميات قليلة من الحاجيات «الرمضانية» لا تكفي لإجمالي الأسرى في هذا السجن أو ذاك المعتقل، وأحياناً أُخرى وبشكل مزاجي ومتفاوت من سجن لآخر تسمح إدارة السجون بزيادة مبلغ إضافي يُمكّن الأسرى من شراء احتياجاتهم من مقصف السجن.

أمّا الأسرى الذين يتعرّضون لوعكات صحّية في رمضان  فهم لا يتلقون الرعاية المناسبة، أو الاستجابة السريعة، إنّما يُعاملون ببطء متعمد كي يشعروا بالمعاناة والعذاب أكثر .فالأسرى يعانون الأمرين في شهر رمضان. ما بين مطرقة الحرمان والشوق والحنين للأهل والأبناء والأحبة، وسندان ظروف الأسر والإجراءات القمعية المتصاعدة في هذا الشهر العظيم.. ومع ذلك يستعلون على جراحهم ويُخفون آلامهم أمام السجّان، ويستغلون أوقاتهم بالدُّعاء والصلوات والمطالعة والتثقيف الذاتي وحفظ القرآن وتفسيره، فتتحوّل الغرف إلى مساجد وأماكن للعبادة وصفوف للدراسة.

وأهالي الأسرى يعانون حين يجتمعون على مائدة الإفطار في غياب قسري للأب والابن، أو الشقيق والشقيقة، فيخيّم الحزن على الجميع لفقدانهم أحد أركان الأسرة، وتجهش الأُمّهات بالبكاء، ويضطر الأبناء للسؤال عن أسباب غياب آبائهم المتواصل عن مائدة الإفطار أو إحضار احتياجات رمضان، فيما الزيارات لمن يُسمح لهم بذلك تكون مغمسة بالألم والحزن والمعاناة، ولسان حالهم يقول دائماً: اللّهُمّ اجمعنا بأسرانا العام القادم على مائدة واحدة بعيداً عن ظلم السجّان.

وخلال السنوات الأخيرة تصاعدت الإجراءات القمعية بحقّ الأسرى، واشتدت الهجمة واتّسعت الإجراءات العقابية والانتقامية بحقّ الأسرى فتقلّصت ساعات الفورة ومدّة زيارات الأهل وصودرت العديد من محطات التلفزة ولم يسمح للأسرى سوى إدخال القليل من الأموال عبر ذويهم لشراء ما ينقصهم من حاجيات أساسية من مقصف السجن ممّا ضاعف من معاناتهم ومن المتوقع أن يعمّق صعوبة الحياة في رمضان.

هذا هو حال الأسرى وذويهم في شهر رمضان المبارك.. ألم ومعاناة، وقسوة ظروف السجن ومعاملة السجان.. وشوق وحنين للأحبّة ولوعة اللقاء بالأبناء والأُمّهات والآباء ..ورسالتنا لكلّ المسلمين في بقاع العالم.. تذكّروا أسرى فلسطين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في السحور وعلى موائد الإفطار وفي السجود، وادعوا لهم كلّما تذكرتموهم، بأن يفرج الله كربهم وأن يفك أسرهم .اللّهُمّ فك قيد أسرانا وأسرى المسلمين وفرج كربهم وارحم ضعفهم وردهم إلى أهلهم سالمين .

ارسال التعليق

Top